يحملني على التماهي مع هذه القصة أمران على الأقل:
جمالية تطريزها. الموشى ببراءة كاتبتها الطفلة العراقية مها حيدر، التي اقتحمت بإبداعاتها الأدبية منابر عدة على امتداد الوطن العربي الكبير. ووجدت، حيثما حلت، دفء الحضن وحميمية الترحاب. ولي شرف وفخر القيام بالمهمة، باسم المملكة المغربية.
أهمية موضوع الفراغ، بما يمثل من شبح التيه واللاجدوى من الوجود. وعجز الغارق فيه عن إيجاد دليل النجاة منه. فتعالج مها الموضوع بأسلوب سردي مذهل. يمنح القارئ متعة وجدوى فعله. ويحقنه بمصل الجرأة للتماهي مع القراءة. فيجد نفسه هكذا، إجرائيا، قد خرج من خانة الفراغ. واقتحم دائرة الانشغال. أي سحر في الكتابة يقدم العلاج طيه. يشفي العليل من دائه دونما ألم. بل بمتعة.
موضوع الفراغ، لأهميته، شد اهتمام كثير من المفكرين والمبدعين قاربوه، كل من موقعه، بأدواته الخاصة. واحدثوا في هيكل هذا الغول الشبح، الفراغ، دروبا ومنافذ لمرور العابرين. لكن المثير هنا، أن يكون محط اهتمام من طرف طفلة في الريعان. أترابها ربما ينعدم عندهم مطلقا هذا الاهتمام. ويتوقون أن تتسع دائرة الفراغ لإشباع نهمهم من اللهو والتدفق بلا حدود. لكن مها تبدي من خلال مناولتها لهذا الموضوع وعيا بالزمن. والحاجة إلى استثماره بما يدر رفاها على حياة الناس. إنه مؤشر نضج مبارك لا غرو.
ولعل المواكبين لابداعات كاتبتنا الصغيرة/الكبيرة مها يستحضرون أنها قد تناولت الموضوع في مقال جميل، مقتضب لكنه كثيف، تحت عنوان « الشغف». ما يعني أن وعيها بالزمن هو وعي ديدني. ويعكس جموح رغبتها في إنتاج الثراء والتحثيث عليه. وتلك قيمة ما أحوجنا إلى تأصيلها في ناشئتنا، كأنجع سبيل لتشييد صرحنا الحضاري امتدادا لماضينا التليد.
وبالعودة للقيمة الفنية للنص الذي بين أيدينا. تجدر الإشارة إلى براعتها في المناولة. عندما تجعل من الفراغ هيكلا شاخصا أمامها. تطوف به في مواقع متعددة من حياتنا، كأنما تخضعه للتجريب المخبري. وتحاوره بلطف، فتستدرجه ليبوح لها بما يخفيه من أسرار. إنها، قطعا، دربة فائقة في تشكيل جمالية النص الأدبي. موشى بجموح خيال، وتشويق فاره.
وفي ثنايا النص، تستوقفنا تلك المشاهد الساخرة للفراغ، وانتكاسة كل مشاريه المتخيلة. لأنه فراغ. والفلاغ لن ينتج ثروة تتيح رحلة فارهة محفوفة بحميمية الأم.
تودعنا مها في نهاية النص بلغة غريبة، فهمنا من ترجمتها أنها تعني وداعا. لكنها تركت عندنا فيضا من المتعة. ما جعلنا مدينين بالدعاء الجميل لها. فبوركت بنيتي مها. وشمسك على الدوام مشرقة.