د.نعيم الدغيمات
كان سعيد على مقربه من هنادي التي بدأت بتسوية الاوتارفي ذلك المساءالحزين بعد أن وضعت الحرب أوزارها، قرب الساقيه وكأن بها نغمات متجذره منذماقبل الحرب ، فلقد كانت في صباها تعشق لحن (النهاوند والبيات) وبعد أن شدت وثاق الاوتار بإحكام أخذت تنظرللفضاء الذي لا يبدو أنه مهيأ ليلتها للعزف كل هذا الشعور انتقل الى سعيد الذي لم يتدخل ولم يعترض على الاختياروظل يرقب وعندما بدأ العزف للحظات لضبط (الدوزان) ،وبانسياب عفوي يحمل معه كل شيء حزين. لحناً، وموقف، وإحساسا وانفعالات وتفاعلات انتقلت عبر المكان. وسعيد يستمع بلاجدوى لعدم معرفته بالسلم الموسيقي، وحين خيم الحزن وطافٍ في الإرجاء طائف كأنماهو وحي هبط للتو ليوحي. وهنادي دون كلل أو ملل تداعب الكمان لضبط الاوتار،مرالوقت سريعا لكن هنادي أحست انه كان طويل إلى أن هبت نسيمه حركت الصوت لصفحات كتاب كان ملقى على مقربه منها حتى أرتعشت أصابعها وهي مأخوذة بالاستعداد للعزف لمعزوفه قررت أن تسميها معزوفة السلام لان شبح الحرب كان يخيم على حدود دولتها والأحداث تتواتر بذهنها بحثا عن إيقاع حزين، يتماهى مع حركة اوراق الكتاب الملقى بجانبها، لم تكن تعلم أن هناك من يراقبهالشدة صوت الريح، وماهي الا لحظات وبدأت اوراق الكتاب تمزقهاوتذروها الرياح. فخرج سعيد عن صمته وراح يعدو خلف الاوراق لمسافات ليست بعيده لالتقاطها وحين احست هنادي بمن يجري ويجمع الاوراق ، وكأنه لا ظل له وكأن كل شيء مرشحا للاحتراق،وليس لها الاطريق واحد مفتوحا هو إختيارالمعزوفه، توقف سعيد عن الجري لالتقاط الاوراق المتطايرة بعدان كاد تنفسه يتوقف، وخلال هذا المشهدتنبهت هنادي إلى أن هناك شخصا كان يرقب كل شيء،فالتقطت ورقه قذفها الريح على مقربة منها قرأت فيها عبارة تختزل بين طياتها الحب والأسى، لا وقت للحب وحين ازداد المهاقررت مغادرة المكان بعد أن توقفت عن العزف ودون أن تتكلم مع سعيد الذي لا تعرفه ولاتعلم عن وجوده الا عندما مارس الجري خلف الاوراق حتى صعد الجبل وهو يتنفس الصعداء، أكملت هنادي قراءة المقطع، حتى أحست بانقطاع النفس والشعوربالاختناق،حتى لم تعد تقوى على العزف فذهبت لمداعبة شعرها ولم تعزف وظلت بغاية التوتر تصرخ عند كل مشهدتتذكره أثناء الحرب وعند كل شكل من أشكال الاقتتال وعند كل قطرة دم مارست من خلالها طقوس الوجع.