عبدالزهرة محمد الهنداوي
منطقيا، يجب ان يكون الاقتصاد هو الحصان الذي يجر عربات الحياة بما في ذلك عربة السياسة، ولكن الذي يحصل في الواقع هو العكس تماما، فكما هو واضح ان السياسة على مستوى العالم هي ذلك الحصان الجامح الذي يتحكم بمسير ومسارات، الحياة، بما في ذلك عربة الاقتصاد، هذه العربة التي واجهت الكثير من المطبات والانحدارات الحادة نتيجة جموح ذلك الحصان، ومن المؤكد ان تلك الانحدارات تسببت بحدوث انكسارات شديدة في الوقوعات الاقتصادية، في كل انحاء العالم، وتتمثل تلك الاهتزازات، بالصراعات والحروب، والتزاحمات البينية، الامر الذي خلق عالما يموج بالاضطرابات، لدرجة انه لم يعد بامكان المخططين والمفكرين الاقتصاديين قراءة المشهد بوضوح لكي يضعوا على اساس هذه القراءة، رؤية اقتصادية، يمكن ان تستوعب ما يحدث، وترسم السيناريوهات التنموية، التي يمكن من خلالها ضمان حق الانسان بالعيش، فحالة اللايقين هي السائدة في كوكبنا نتيجة اشتداد الصراعات بين الامم،
يحدث ذلك حتى مع وجود اتفاقات دولية بشأن انفاذ قضايا التنمية، والسؤال هنا ، مالذي حققه العالم من اهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي اقرّتها الامم المتحدة في عام ٢٠١٥، وكان الاتفاق على ان هذه الاهداف يجب ان يتم تحقيقها في غضون ١٥ سنة تنتهي بحلول عام ٢٠٣٠، ولعل من بين اهم تلك الاهداف هي القضاء على الفقر والجوع، وتحسين الصحة والتعليم، وجعل المدن اكثر استدامة، ومواجهة التغيير المناخي،! وعندما يقول قائل ان نسب الفقر على مستوى العالم قد شهدت ارتفاعا في معدلاتها خلال السنوات العشر الماضية، وان غائلة الجوع زادت فتكا بأولئك الناس المهددين بامنهم الغذائي، فهناك نحو ١٠٪ من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع، اي قرابة الـ ٧٠٠ مليون انسان، فهذا قول صحيح ولاغبار عليه، وان هذه المعدلات في تزايد واضح نتيجة الحروب ونتيجة التحكم بمصادر الخبز، ومساومة الدول الغنية للدول الفقيرة، واجبارها على الانخراط في اجندات شريرة، والحال ذاته ينسحب على واقع التعليم والصحة، فعن اي تحسّن نتحدث في هذين القطاعين، في ظل النزوح والتهجير القسري لملايين البشر في العالم، وليس بعيدا عنا مايجري في غزة ولبنان، اذ يتعرض اهلها هناك الى ابادات جماعية، على ايدي قوة شريرة تريد ان تحول هذا العالم الى شريعة غاب، وبحر من الدماء وركام من الجثث والاشلاء، يحدث هذا امام صمت ينم عن رضا وتأييد عالمي، لهذه الجرائم، فعن اي تنمية مستدامة، يتحدث هذا العالم، وهو يساند قوى الشر التي تستهدف الانسان، الذي يمثل مرتكز ومسار وهدف التنمية المستدامة!!
اما المناخ، فحدّث ولا حرج من الحديث، فذات العالم الذي شرّع اهداف التنمية المستدامة، ويدعو اناء الليل واطراف النهار الى الالتزام بها والعمل على تطبيقها، هو ذاته الذي خرّب المناخ، واتلف البيئة، ونشر الاوبئة والامراض التي اجتاحت بلدانا ليس لها يد في عملية التلوث البيئي او تخريب المناخ، ثم يأتي الملوثون والمخربون للبيئة والمناخ ليطالبوا المتضررين بحماية المناخ!!!
فعن اي تنمية مستدامة يتحدث هذا العالم، في وقت يُباد بشر، وتُهدم مدن، ويُحرم اناس من الصحة والتعليم، ويعيث المخربون دمارا في المناخ والبيئة؟!!!!