مصعب أحمد
شارعُ المتنبي قلبُ بغداد النابضِ ومعينها المعرفي الذي لا ينضبُ وشريانها الإبداعي المتدفق بحب الحياة ، يقعُ في وسط العاصمة العراقية بغداد على ضفاف نهر دجلة الخالد بالقرب من منطقة الميدان ويتفرعُ من شارع الرشيد ، يعتبرُ شارعُ المتنبي من أقدم وأشهر شوارع العاصمة بغداد ، ويمثلُ مِنبَراً من منابرِ ثقافتها على مرِّ العصور ، ومنارةً للعلوم والمعرفة ، كيف لا وهو الباحةُ الفكريةُ ومنبرُ الرأي الحر القائم على الأسسِ الرصينةِ لتلاقحِ الرؤى» وتبادل الأفكار بين رواد ذلك المكان الجميل» ، ويعود تاريخ الشارع إلى الحقبة العباسية ، حيث كان يسمى في العصر العباسي بـ»درب زاخي» وهي كلمة آرامية ، وبعد ذلك تغيرت تسميتهُ في فترةِ حكمِ العثمانيين ، الذين شيدوا بجوارهِ «القشلة» عام 1850، واتخذوا منهُ معسكراً لجيشهم فأطلقوا عليه تسمية «الخامنية» وهي كلمة تركية تعني (ثكنات الجيش) ، أما في فترة الاحتلال الانكليزي للعراق مطلع القرن الماضي واتخاذهم من مبنى القشلة مقراً للحاكم العسكري ، فقد تغيرتْ تسمية هذا الشارع إلى «السراي» ثم اقترن هذا الشارع باسم الشاعر أبو الطيب المتنبي عام 1936، بعد أن شكل ملك العراق آنذاك فيصل الأول لجنةً لتسمية الساحات والشوارع وكان نصيبُ الشارع أنْ يقترن بالمتنبي ، ويعتبرُ هذا الشارعُ هو قبلة ٌللمثقفين الذين يتوافدون عليه من بغداد ومدن البلاد الأخرى ، إضافة إلى السياح الأجانب حيث تتزاحم الأقدامُ يوم الجمعة وتأتي من كلِّ حدبٍ وصوبٍ سعياً للتواجدِ في هذا المحفل الثقافي الكبير، حيث تتم اللقاءات من دون موعدٍ سابقٍ، لأن الكتب هناك تباع بجميع أنواعها ومجالاتها وتقام المهرجانات والفعاليات الثقافية والفنية والأدبية التي تعبرُ عن وجه بغداد الحقيقي بعيداً عن العنف والتطرف والتعصب وما يعصفُ بالبلاد من هموم وتحدياتٍ كبيرة ، ومن أهم ملامح شارع المتنبي : القشلةُ والمركزُ الثقافيُّ البغدادي وتمثال الشاعر العظيم ابو الطيب المتنبي وسوق السراي ومقهى الشابندر ومقهى حنش و مقاهٍ كثيرة يعود تأريخها إلى عقود تتجاوز المئة عام فضلاً عن دورِ نشرٍ مهمةٍ ، هذه الأماكن التي تحتضنُ عبقَ التاريخ وأصالة الماضي العريق والتي تعتبرُ جزءاً من الذاكرة العراقية التي حفظتْ بين طياتها وقائع وأسماء وحوادث مهمة.