لا شك في أن الإدمان على المخدرات في المجتمع العراقي أصبح ظاهرة تهدد النظام العام، ليس فقط في مفردة الصحة العامة فحسب، بل أخذ ينعكس على مختلف مناحي الحياة اليومية العامة وعناصر النظام العام سواء ما يتعلق منها بالأمن العام أو الصحة العامة أو السكينة العامة ومن ثم أصبح يشكل تهديداً بالمآل الأخير على مضمون الأمن المجتمعي لما له من تداعيات خطيرة، لذلك أصبح واجب التصدي إليه لزاماً بتضافر الجهود كافة سواء بما يتعلق منها بأجهزة الدولة الرسمية أو بنشاط وفعاليات منظمات المجتمع المدني لبث الثقافة وتغذية مدارك الشباب ليتسنى تحقيق الدور الوقائي قبل الوقوع في المحظور.
أسباب الانتشار
«يرجع الباحثون تفشي ظاهرة التعاطي أو المتاجرة بالمخدرات الى أسباب اقتصادية واجتماعية وأخلاقية وضعف إجراءات مكافحتها والغزو التكنولوجي للمجتمع»، هكذا يقول القاضي حسام محمد عبد الله رئيس محكمة جنايات الأنبار.
ويرى ان السبب الرئيسي في انتشار هذه الظاهرة هو «ضعف السلطة»، مؤكدا أن «ظاهرة التعاطي والمتاجرة بالحبوب المخدرة لم تكن وليدة اليوم، إنما كانت موجودة منذ عقود من الزمن إلا أن هذه الظاهرة تتسع وتتطور عندما تجد البيئة المناسبة لها، وضعف السلطة هذا انعكس أيضا على الواقع التعليمي، وأصبح لدينا تخلف في التعليم مقارنة بالدول الأخرى ما نتج عنه اتساع ظاهرة الأمية ومن ثم الفساد المالي والإداري ما فسح المجال لوجود بيئة مناسبة لظاهرة التعاطي».
من جانبه، يورد القاضي المختص بقضايا المخدرات في محكمة التحقيق المركزية وليد إبراهيم سببا آخر لانتشارها وهو «عدم تأمين المنافذ الحدودية».
بدوره، يجمل القاضي عمار شاكر فجر من محكمة تحقيق البصرة الثالثة المختصة بنظر قضايا المخدرات مجموعة أسباب بقوله إن «المخدرات تنتشر بسبب ضعف الوعي الثقافي لدى الشباب واستغلالهم من قبل مروجيها، وكذلك الضغوطات المادية بسبب كثرة البطالة في المجتمع العراقي وسهولة الحصول على الأموال نتيجة بيع وشراء المواد المخدرة، فضلا عن ضعف دور الأجهزة الأمنية في التصدي لهذه الظاهرة وعدم التوصل إلى التجار الرئيسيين لعدم وجود مصادر استخباراتية كفوءة».فيما قال القاضي محمد هاشم المختص بقضايا المخدرات في محكمة تحقيق العمارة إن «كثرة تهريب المخدرات من دول الجوار للعراق يعود لعدم تأمين الحماية للمناطق الحدودية بين العراق ودول الجوار، والوضع الاقتصادي والبطالة وعدم توفر فرص عمل مما يؤدي بالبعض الى اللجوء الى سلوك طرق غير مشروعة وهي المتاجرة بالمواد المخدرة لكسب المال».
وبالحديث عن الكيفية التي تنتشر فيها المخدرات يقول القاضي احمد خلف فرحان في محكمة جنايات الأنبار ان «قلة فرص العمل أصبحت ظاهرة مستشرية في المجتمع بشكل كبير وفي زيادة مستمرة في كل سنة في الوقت الذي أصبح المجتمع منفتحا بفعل نوافذ التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم أصبح هنالك تلاقح للثقافات والظواهر والسلوكيات بشقيها الإيجابي والسلبي وفتحت مدارك الشباب لا بل من هم بمراحل الصبا إلى الولوج في عالم الجريمة بدافع الحصول على المال المحاط بضعف الإرادة وضعف الوازع».
ويرى أيضا سببا آخر في «الظروف العائلية التي ربما تكون قاسية إذ قد يعاني الشخص من مشاكل عائلية ويتعرض لعنف او إهمال اسري او ربما قد تكون الأسرة مفككة لا رابط يجمع الزوج والزوجة لا بل قد يكونان منفصلين، وهذا قد ينتج عنه توفر بيئة تشجع على اعتماد هذا الطريق في محاولة للتعاطي ونسيان ما يمر به من ظروف صعبة ومن هنا قد يبدأ مشواره في الاتجار وان لا يكتفي ربما بالتعاطي فقط، خصوصا فيما لو توفر صديق السوء الذي قد يكون عاملا مساعدا في الانزلاق بهذا الطريق».
كما يؤشر ثمة «أسباب أخرى كالشعور بوقت الفراغ الذي لا يستغله الشخص للقيام بعمل معين وبالتالي يحاول تجربة هذا الطريق للحصول على المتعة الوقتية التي ستنقلب عليه بشكل سلبي بيد انها اقل أهمية من الأسباب الأساسية المذكورة، ناهيك عن الفساد الأخلاقي وانتشار الحالات الشاذة بالتزامن مع انعدام الوعي لدى البعض من الأشخاص علماً انه لا يقتصر على الذكور بل أصبح ينتشر في أوساط الاناث وهذه الحالة اكثر خطورة منها على الصعيد الذكوري».
معالجات
وعن الحلول والمعالجات للحد من ظاهرة انتشار المخدرات أكد القاضي عمار شاكر فجر أن «هناك عدة نقاط هامة لغرض الحد من هذه الظاهرة ومنها زيادة التثقيف والوعي لدى الشباب بمخاطر المواد المخدرة وقيام المؤسسات المعنية بذلك ومن ضمنها المؤسسات الصحية والثقافية والأمنية وتوفير فرص العمل للشباب وتطوير مهارات الأجهزة المختصة بمكافحة المخدرات من خلال ادخال كوادرها بورش تدريبية وورش عمل مع المنظمات المختصة في الامم المتحدة/ مكتب مكافحة المخدرات أو الأنتربول كي تكون لهم المعرفة الكافية بأساليب مكافحة المخدرات والتعامل مع المتهمين، مع رفد الأجهزة المختصة بمكافحة المخدرات بأجهزة حديثة ومختصة لمكافحة المخدرات أسوة بالدول المتطورة التي لها خبرة في هذا المجال».
من جانبه، القاضي محمد هاشم طالب بتشديد عقوبة المتاجرة بالمواد المخدرة عن طريق تعديل قانون المخدرات وايصال عقوبة المتاجرة إلى الإعدام لغرض تحقيق الردع، وكذلك تأمين الحدود بين العراق ودول الجوار لغرض القضاء على جرائم تهريب المخدرات وتكثيف جهود الأجهزة الأمنية لغرض القاء القبض على تجار المخدرات وتطبيق القانون بحقهم لينالوا جزاءهم العادل».
ويتفق القاضي عبد السلام موعد قاضي تحقيق شرق الأنبار مع زميله في مسألة ضبط الحدود بشكل تام مع دول الجوار وتوفير فرص عمل للعاطلين وذلك لعدم الانجرار وراء المخدرات، فضلا عن تفعيل الدور الإعلامي سواء في القنوات الفضائية أو عن طرق التواصل الاجتماعي أو حتى عن طريق وضع بوسترات في الاماكن العامة.
أنواع المخدرات
القاضيان وليد ابراهيم عبد محمد وعمار شاكر فجر كشفا النقاب عن انواع المخدرات المنتشرة وأولها مادة المثيل أميفيتامين المعروف محليا بالكريستال الذي يعتبر ذا خطورة عالية كونه عبارة عن مركبات صناعية وكيميائية ذات اثر سلبي على الجسم فضلا عن انه من أكثر الأنواع انتشارا في البلاد لسهولة صنعه ونقله وتشابهه مع مواد أخرى كالملح والسكر والشب، كما توجد أنواع أخرى مثل الحبوب المخدرة (نوع صفر واحد)، (الكبتاكون) وهي قليلة الاستخدام لارتفاع سعرها، والحشيشة وهي متوسطة الاستخدام، و(الترياك) واستخدامه قليل مقارنة بالمواد الأخرى و(الماريجوانا) وهي قليلة الاستخدام لارتفاع سعرها».
وتابعا أن «هناك مواد أخرى إلا أن القانون اعتبرها من المؤثرات العقلية وليست مواد مخدرة وهي مواد تستخدم طبيا وتباع في الصيدليات المجازة ومنها حبوب (الترامادول) وهو من أكثر المؤثرات العقلية تداولا وهناك مؤثرات عقلية أخرى وردت في الجدول رقم (8) من قانون المخدرات و المؤثرات العقلية».
طرق الإيقاع بالضحايا
وعن طرق الإيقاع بالضحايا والفئة المستهدفة بين القاضي وليد إبراهيم أن «هنالك طرقا تتبعها العصابات للإيقاع بالضحايا منها استغلال الطبقات الفقيرة وغير المتعلمة وتبدأ بالتعامل معهم من خلال منحهم جرعات مجانية في بادئ الأمر لحين الإدمان عليها، ومن ثم تقوم باستغلالهم في الترويج أو النقل»، لافتا إلى أن «اكثر الفئات العمرية المستهدفة في تناول المخدرات بين فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (15 -30 سنة)»، فيما أكد القاضي عمار شاكر أن «الشباب من كلا الجنسين والأحداث بنسب متفاوتة تعرضوا لخطر المخدرات حيث بلغت نسبة الإناث من المتعاطين مقارنة بالذكور (23) امرأة مقابل (1651) رجلا لعام 2022».